كيفية حماية جيل من الضياع

 

يفكر ليلي شان ومورين كانتنر وهما طالبان تخرجا من مدرسة واغنر للدراسات العليا في الخدمة العامة في جامعة نيويورك، في نتائج تقرير حول اتجاهات التوظيف والتحديات والفرص للاجئين في الأردن

قبل القيام بعملنا الميداني في الأردن، كانت لدينا رؤية محددة لما كنا نريد إنجازه خلال فترة قيامنا بأبحاثنا هناك الممتدة على ثلاثة أسابيع حول تحديد القيود القانونية التي تأثر على العمال اللاجئين في الأردن، وماهي فرص العمل قانونية المتاحة لهم ضمن هذه القيود القانونية ؟ في الوهلة الأولى، بدت لنا هذه التساؤلات واضحة  وكنا واثقين من فاعلية نهجنا المباشر في دراسة هذه القضايا.

إلا أن مقابلتنا الأولى مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كانت كفيلة بتغيير نظرتنا بأكملها حول درجة تعقيد أسئلتنا البحثية. هناك عوامل عديدة تؤثر على المجالات التي يمكن للاجئين العمل فيها، ومن بينها التعليم وتغيير المعايير القانونية والمشاكل اللوجستية. وقد تأثر الشباب اللاجئون بشكل كبير بالأزمات السياسية التي منعتهم من الذهاب إلى المدرسة مما أعاق قدرتهم على متابعة تعليمهم وإتمامه.

على الرغم من أن جهود الاستجابة التي بذلتها الوكالات الإنسانية والحكومة الأردنية قد تحولت مؤخراً من استجابات سريعة إلى التركيز على إيجاد حلول وفرص طويلة المدى، إلا أن إدارة الحكومة لحوالي 800,000 لاجئ مسجل في الوقت الذي تحاول فيه ضبط معدل بطالة وطني وصل إلى 18% ويتخطى 37% للشباب بشكل خاص في عام 2018 هو أمر شديد الصعوبة. ومن بين الجهود التي تبذلها الحكومة لمعالجة هذه المسألة نذكر تقديم عدد من “المهن المغلقة” التي يُسمح للأردنيين فقط العمل فيها كالمهن التي تتطلب مهارات عالية والوظائف الإدارية. وكان الهدف من وراء ذلك توفير فرص عمل للاجئين مع تأمين وظائف للعمال الأردنيين وحماية احتياجاتهم في الوقت نفسه.

إذاً ما هي الوظائف التي يمكن للشباب اللاجئين في الأردن الحصول عليها قانونياً والتي توفر لهم عملاً مستداماً وطويل الأمد؟ ما هي الممارسات الفضلى لبرامج التعليم والتدريب، وما الذي ما زلنا نحتاج إليه لبناء المهارات الضرورية للحصول على هذه الفرص العملية المستهدفة ؟

بينما كنا نسعى للحصول على إجابات على هذه الأسئلة، تفاجئنا بعامل مهم يخلق عقبات عدة أمام توظيف الشباب اللاجئين. فعملية تقديم طلبات الحصول على تراخيص العمل يمكن أن تكون مكلفة جداً وتستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب عدداً كبيراً من المعاملات الورقية والتجديدات السنوية ورسوم التجديد، وعادة ما تحتاج إلى رب عمل ليكفل الطلب.

ولكن الحصول على ترخيص العمل هو فقط واحد من ضمن العقبات القانونية والاقتصادية والتعليمية وغيرها من العقبات التي يواجهها اللاجئون. في إحدى مجموعات التركيز الخاصة بنا، كنا محظوظين بأن نقابل لاجئاً سورياً شاباً أعطانا مثلاً ملموساً عن حجم هذه العقبات. كان هذا اللاجئ السوري قد نجح في امتحانات التعليم الثانوي التوجيهي في سوريا قبل اندلاع الصراع، وبذلك كان من المفروض أن يُسمح له بمتابعة التعليم العالي. ولكن نظراً لأن الوثائق المطلوبة منه كانت موجودة في منطقة تشهد صراعاً وعليه، لا يمكن الوصول إليها، لم يتمكن هذا الشاب من  تقديم الوثائق المطلوبة إلى المسؤولين التعليمين في الأردن. وسرعان ما وجد نفسه منخرط في عمل غير الرسمي، إذ عمل كطاهٍ لتوفير دخل إضافي لعائلته. وكان هذا الشاب محظوظاً لقبوله في مدرسة تدريب مهني حيث تمكن من دخول برنامج من ثلاثة أشهر للتخصص في صنع المعجنات. إلا أن هذا البرنامج كان يركز بشكل خاص على المهارات الشخصية كالإعداد للمقابلات وكتابة السيرة الذاتية ولم يساهم في تعزيز
أي مهارات تقنية أو مطابقة للوظائف مباشرةً. لدى تخرجه، عاد من جديد للعمل في القطاع غير الرسمي لأنه كان لايزال غير مستعد لوظيفة رسمية تماماً مثلما كان عليه قبل المشاركة في البرنامج. وبعد ذلك، قدم طلباً للحصول على  منحة لبرنامج تدريب مهني أطول في مجال صناعة الحلويات، وتمكن من الحصول عليها. كان هذا البرنامج الممتد على عامين يركز على تدريب مكثف على المهارات التقنية والخدمات المطابقة للوظائف مما ساعده على اكتساب المؤهلات الكافية للحصول على وظيفة كمدير في متجر مشهور للحلويات في الأردن.

في حين أن هذا الشاب كان محظوظاً للحصول في النهاية على ترخيص للعمل في قطاع متنامٍ، إلا أن عدداً كبيراً من الشباب اللاجئين لم يحظوا بالفرص ذاتها. فقد شهدت مسيرته المهنية تقلبات عدة ، وواجه العديد من العقبات الشائعة التي تعترض الشباب اللاجئين: عدم القدرة على الوصول إلى الوثائق التعليمية وعدم القدرة على الحصول على التعليم الجيد والمشاركة في نظام تدريب مهني لم يحضره لسوق العمل. إضافة إلى كل هذه العوامل التي تحبط مساعي الشباب اللاجئ في البحث عن العمل،  تلعب الضغوط الزمنية والمادية التي تفرضها الأنظمة الحالية  للحصول على تراخيص العمل دورا كبيرا في تعقيد العملية بأكملها.

بشكل عام، سلطت مقابلاتنا مع أصحاب المصلحة المتعددين والبيانات التي جمعناها الضوء على أربع مجالات ومسارات لتوفير سبل كسب عيش مستدامة للاجئين في الأردن. وهي:

1- منح طابع رسمي لمهن الأشخاص الذين يعملون حالياً في القطاع غير الرسمي.

2- تسليط الضوء على المهن المتنامية ضمن عملية تراخيص العمل الرسمي، مثل المهن في مجال صناعة الطعام والضيافة والحرف.

3- البحث عن فرص قانونية لأشكال العمل البديلة، كالعمل عن بعد أو  مباشرة الأعمال الحرة.

4- الاستثمار في هيكلة أنظمة الدعم الضرورية للاجئين، كالشراكة مع أرباب العمل لتقديم المزيد من برامج التدريب، ومطابقة التعليم مع فرص كسب العيش وتقديم المنح والتمويل بناءً على ذلك.

 

نظراً لتركيز  صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين على دعم التعليم الثانوي، نحن نأمل أن تشكل هذه التوصيات أساساً لتوجيه الجهود المحلية حول المسارات التعليمية التي يمكن أن تؤدي إلى توفير فرص عمل ثابتة ومستدامة للاجئين. وبما أنه لا يمكن لوكالة أو هيئة واحدة تنفيذ جميع هذه التوصيات، وجب التنسيق بين الوكالات والمنصات المعنية وتضافر الجهود المبذولة نحو تحقيق الهدف المشترك المتمثل في تمكين الشباب اللاجئين وتوفير الوظائف المستدامة والطويلة المدى مما يتيح لهم أن يعيلوا أنفسهم ويدعموا مجتمعاتهم بشكل كبير.

ليلي شان ومورين كانتنر هما طالبان تخرجا من مدرسة واغنر للدراسات العليا في الخدمة العامة من جامعة نيويورك حيث حصلا على شهادة الماجستير في الإدارة العامة،  للإدارة العامة وغير الهادفة للربح والسياسة في عام 2019. يرتكز منشور المدونة هذا على دراسة بحثية حول اتجاهات التوظيف والتحديات والفرص للاجئين في الأردن أجرياها بدعم من مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم.

التقرير الذي تمت مناقشته في هذا المقال متوفر باللغة الإنجليزية فقط ويمكن الوصول إليه من هنا

 

 

Massar Al Ghurair